الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هذه رسـالة الراعـي الشهيد مبروك السلطـانـي إلى الباجي والصيد والغنّوشي

نشر في  18 نوفمبر 2015  (13:19)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

"بعد وصولي الى بلاد ما بعد الموت دون رأس، سأقصّ عليكم حلما راودني ـ ولو كان رأسي فوق كتفيّ لما جرؤت على مخاطبتكم ـ وأرجو أن تجيبوني..
في حلمي الغريب العجيب شاهدت أحفادكم ـ وهم في مثل سنّي  ـ ينعمون بالدراسة وبحذاء من جلد وبلباس من الصوف وبالماء العذب في القوارير وبالإنارة الكهربائيّة وبالطبيب الذي يعودهم ليلا دون الخوف من الذئب وبالعطل على الشواطئ..
شاهدت ـ  أنا راعي الغنم في جبال المغيرة أحفادكم ينعمون بالأمان والطمأنينة وبأعياد الميلاد الفاخرة التي توزع فيها الشكولاطة والمشروبات الغازية الملوّنة بسخاء ليس مثله سخاء.. رأيتهم في حلمي يتمتّعون بمصروف الجيب وأنا أعمل راعي أغنام منذ سنوات لعلّى أساهم في ضمان لقمة العيش لعائلتي.. انّ حياة أحفادكم وأحفاد أغلب سكان المدن تشبه الجنّة مقارنة بحياتي وحياة أبناء القرى والجبال وحتى الأحياء الشعبيّة...
لقد سرقت كلّ الحكومات طفولتنا.. أصبحت كهلا وأنا في الثانية عشرة.. في البداية، عندما تبرز رؤوسنا من بطون أمهاتنا تنطلق سفرة العنف والفقر والفشل المنتظر..صراخ وضرب وحرمان.. نحن محكوم علينا بالفشل حتى قبل ولادتنا!

ذهبنا الى مدرسة آخر الزّمان في البرد القارس وكأنّ المدرسة شيّدت بعيدة عن كلّ مكان.. نأكل يوميّا رغيف خبز بالهريسة.. يوم الأحد وفي العطل أرافق قطيع الخرفان إلى الجبل لتأمين القوت لأسرتي.. في فصل البرد ينخر عظامنا البرد وفي فصل الحرارة تحرقنا الحرارة..
اسمحوا لي يا سادتي الرؤساء والسياسيين بأن أعيد رأسي المقطوع الى مكانه وأنا في «الدنيا الأخرى» علما انّي التقيت نجيب القاسمي وسامي العياري اللذين قتلا في جبال القصرين بالتهمة نفسها: إعلام رجال الأمن بتحرّكات الارهابيين.. اننا مجتمعون الآن مع كل الجنود والأمنيين والحرس والسواح الذين قتلوا في باردو وسوسة وكلنا خوف على الضّحايا المرتقبين في تونس وفي كل بلدان العالم..
سادتي الرؤساء والمسؤولين عن الأحزاب.. اتركوا كراسيكم الوثيرة واستمعوا الى صوت راع دون رأس عمره 16 سنة لم ير خلالها الاّ الحرمان والعنف، انتحر أبي برصاصة منذ 4 سنوات وأمّا والدتي فقد فقدت بصرها!.. وهل تعلمون أنّه عندما يجوع أهالي الجبال التونسيّة التي لم تصلها ثمرة الاستقلال، يقتلون الذّئاب ويأكلون لحومها شريطة ألاّ تكون الأمعاء ملتوية؟ هل تعلمون انّ رجال الجبال يعملون أربعة أو ستة أشهر كل سنة في الحضائر ثم ينتظرون بيع خروف يضمنون به لقمة العيش طيلة السنة؟ هل تعلمون ان في الشتاء البارد يسخن الأب الماء على الحطب أمام المنزل ثم يستحمّ ولده وهو شبه عار فيشعر المسكين بالحرارة المفرطة وبالبرد القارس فيمرض ويعالج بالأعشاب!
أيّها الرؤساء انّ راتبا شهريا واحدا لأيّ منكم قد يغطي مصاريفي لمدة عشر سنوات كاملة! هل تعلمون انّنا لا نأكل لحم الخروف الاّ في الأعراس ونحن نضحك ونبكي؟.. هل تعلمون كم ساعة تعمل المرأة  في النهار في الجبال وهي ما بين حمل الحطب وزراعة الحقول ومؤازرة الرجال؟
أشاهدكم يا أهل السياسة ويا أصحاب الفخامة والمعالي في التلفزة الصغيرة التي يملكها جارنا الذي قتل ابنه في سوريا بعد ان ظلّ بلا شغل لعشر سنوات رغم أنّه خرّيج الجامعة، وكان دائما يقول قبل موته على  الأراضي السورية:«نحب خدمة ومرا وكرامتي» فوجد نفسه ملفوفا في كفن ودفن في أرض غريبة.. ربما لو كبرت لذهبت للجهاد.. لا أدري.. كل شيء اختلط فيه الحابل بالنّابل.. حتى ابنة الجيران الجميلة ذهبت الى تركيا ولم تعد..

عندما كانت سني 10 سنوات كنت استمع لحكومة رجال الدّين الذين وعدوني بالجنة لكن الكلام ظل وعودا وكلاما.. ثم قالوا انه بعد الانتخابات الجديدة سيأتي أب مثل بورقيبة فيرعى الفقراء والمساكين وها انّنا إلى يومنا هذا مازلنا نأكل لحوم الذئاب التي لا تكون أمعاؤها ملتوية!
قال جارنا الفلاح الصغير في يوم من الأيّام وهو سكران:«أجدادنا عبيد واحنا عبيد وأولادنا عبيد»... لكنّنا كلنا تونسيون قبل الانتخابات وأثناءها وبعد ذلك نصبح أهل الجبال وانتم التونسيون!
اين الطرقات والمستشفيات والشغل والعدل والكرامة؟ وللتذكير فان أهالي الجبال والريف هم من رفعوا السلاح ضد المستعمر، لكن واحد يزرع والآخر يأكل!
أيّها السادة الرؤساء والسياسيون: أعرف أنّه لا يهمّكم قطع رأس راع عمره 16 سنة ولكن اعلموا انّه لو كتب لي اليوم ان اعود الى الحياة ورأسي فوق كتفيّ فلن أثق بكم ولا بالحماية التي وعدتمونا بها ولا بمواطن الشغل الزائفة.. انّ أرجلكم في تونس وقلوبكم خارجها.. «عبقريّتكم» في الكلام الفارغ وفي الدفاع عن مصالحكم! لا يهم ان يقطع رأس راعي غنم: ان هذا الخبر شبه خبر لا يهم سوى العائلة والقبّار.. لكن رغم رأسي المقطوع اعد كل من عاش على هذه الأرض بأنّني لن أنقطع عن حب هذا الوطن الذي لم يطعمني من جوع ولا حماني من برد ولا آمنني من خوف..."